وتحتج الجامعتان العامتان للتعليم الثانوي والأساسي التابعتان لاتحاد الشغل منذ بداية السنة الدراسية الحالية من أجل مطالب اجتماعية أساسها « تحسين الأجور »، واتخذتا في هذا الشأن قرارا بحجب أعداد التلاميذ عن « الإدارة » في الثلاثيين الأول والثاني مع تلويح بالتصعيد مع نهاية الثلاثي الثالث إذا لم تتحق المطالب.
ولاحظ رئيس جمعية جودة التعليم قاسم سليم أن المطلبية المستمرة والإضرابات والاحتجاجات في صفوف المعلمين والأساتذة أعطى فرصة لقطاع التعليم الخاص لتعزيز مكانته في السنوات الأخيرة ومكنه من استقطاب المزيد من التلاميذ حتى من الطبقات المتوسطة، مما عمق الفوارق الاجتماعية بين أفراد المجتمع وأضر بمبدأ « حق التعليم للجميع وعلى حد السواء ».
واعتبر أن أزمة التعليم العمومي دفعت بالعائلات التونسية إلى البحث عن طرق جديدة لتحسين المستوى الدراسي والمعرفي لأبنائها، فالتجأ بعضها إلى دروس الدعم والتدارك خارج أوقات الدراسة وصارت أمرا عاديا بعد أن كان التلميذ يلتجئ إليها لظروف خاصة كصعوبة الاستيعاب، مضيفا أن دروس الدعم أصبحت القاعدة و لم تعد « استثناء » كما كانت في الماضي.
وأرجع سليم هذه الإشكاليات إلى « تنازلات » قدمها مسؤولون سابقون بوزارة التربية حين استجابوا لمطالب واتخذوا قرارات « لم تكن صائبة « ، وفق تقديره، وقال إنهم قدموا « تنازلات في حق المرفق العمومي وسعوا إلى تغليب مصالحهم الشخصية والحزبية والجهوية وغيرها على حساب مصلحة المنظومة التربوية ومصلحة التلميذ ». وأضاف قوله « لابد من جعل العمل النقابي خاضعا لأخلاقيات المهنة وإرساء ميثاق تربوي وطني تلتزم فيه كافة الأطراف المعنية بما فيها النقابية بتطبيق القانون ».
ومن بين القرارات التي وصفها بـ »الكارثية »، ذكر قاسم سليم التخفيض في ساعات التدريس الأسبوعية من 20 ساعة إلى 15 ساعة وهو ما أدى إلى « مفارقة »، وفق توصيفه، وهي التخفيض في ساعات العمل مقابل الترفيع في عدد المنتدبين من حاملي شهادات التعليم العالي في اختصاصات متنوعة كالفلاحة والصناعة وغيرها، ما فتح الباب على مصراعيه لانتدابات « عشوائية وغير مؤهلة » خاضعة لاعتبارات حزبية وسياسية وعائلية، وفق تعبيره.
وأشار في هذا الخصوص إلى أن « التخفيض العشوائي في عدد ساعات العمل يقابله انتداب عشوائي للإطارات التربوية، ما عمق أزمة التعليم العمومي وجعلنا نتحدث عن المدرس غير الكفء، أي غير المتمكن من أخلاقيات المهنة وعقيدتها ». وقال إن توسيع قاعدة المنتفعين بالأجور بطريقة « غير عقلانية » يجعل المربي غير راض بالزيادة في أجوره ويطالب بتحقيق المزيد باعتبار أن ثلث الإطار التربوي الذي وقع انتدابه بطريقة « غير مدروسة وعقلانية » سيدخل ضمن قاعدة تقاسم نسب الزيادات، وفق تعبيره.
وطالب بالإسراع بتنظيم الاستشارة الوطنية حول إصلاح التربية والتعليم، معبرا عن الأمل في ألا تكون مثل سابقاتها وأن تضع ضمن أولوياتها مسألة نظرة المجتمع وعلاقته بالمدرسة ودعمه لمنظومة التعليم ومسألة ثانية تتعلق بكسر » ثنائية القطب المدمرة « ، وهي ثنائية النقابات ووزارة التربية، وذلك بتشريك جميع الأطراف المعنية من تلميذ وولي ومكونات المجتمع المدني « التي لا تلبس أقنعة » ولا تحمل أجندات الأحزاب السياسية، وذلك علاوة على إعادة النظر جذريا في منظومة حوكمة وزارة التربية.
ودعا رئيس جمعية جودة التعليم إلى ضرورة وجود حلول جذرية لا تخضع إلى ضغوطات يمكن أن تزيد من تعميق الأزمة وتأجيجها، وإنما تنطلق من إرساء مجموعة من الدراسات مهمتها أساسا البحث في الإشكاليات التي أدت إلى تدني مستوى التعليم وجودته.
من جهته، قال رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ رضا الزهروني إن التوجه نحو إقرار « الارتقاء الآلي » في ظل عدم توصل وزارة التربية والهياكل النقابية الى اتفاق نهائي يلغي قرار حجب أعداد الثلاثيتين الأولى والثانية يعد « خطأ » في حق التلميذ والولي والمنظومة التربوية.
ولاحظ أن عدم إسناد الأعداد وتواصل الاحتجاجات وخضوع منظومة التعليم لتجاذبات بين الهياكل النقابية والوزارة سيهدد مستقبل الأجيال القادمة ويضرب صورة المدرسة العمومية « المجانية »، التي قال إن من واجبها إعطاء التلاميذ نفس الحقوق وعليها أن تكون الضامنة للعدالة الاجتماعية وألا يتحول فيها التلميذ إلى « ورقة ضغط ورهينة » من أجل الحصول على امتيازات مادية بالأساس.
وأضاف أن التلميذ يجد نفسه اليوم مهددا بعدم الحصول على بطاقة كشف الأعداد وبالتالي عدم إمكانية تقييم نتائج محصوله الدراسي لمعرفة النقائص والثغرات المعرفية والتعليمية المسجلة والعمل على تجاوزها وتداركها، لاسيما أمام تواصل الإضرابات والاحتجاجات ووضع سيناريوهات للتصعيد.
(وات)