نظمت جمعية أصوات نساء ملتقى لتقديم دراستين حول تأثير سياسات التقشف على النساء والفئات الهشة مع قراءة نسوية لقانون المالية 2023 وعلاقته بمبدأ العدالة الجبائية وخلصت الدراسة الأولى وهي « تأثير سياسات التقشف على النساء والفئات الهشة » إلى إن اللامساواة الناتجة عن سياسة التقشف ليست مستقلّة عن اعتبارات النوع الاجتماعي (الجندر). ففي تحاليل النموذج الاقتصادي النيوليبيرالي، وهو ركيزة التقشف، نجد تهميشا واضحا لديناميكية النوع الاجتماعي. لذلك نلاحظ نقصا في دراسة الطريقة التي تتناول بها هذه السياسات كل ما يخصّ النساء والفتيات. يفترض هذا النموذج على المستوى النظري ان تكون القرارات داخل العائلة مُتخذ بطريقة تشاركيّة بين مختلف أفرادها، وانّ الموارد تُوزع كذلك بطريقة منصفة، إلاّ أنّ الدراسات العديدة التي أنجزت، أبرزت أنّ النساء والأطفال والمسنّين لا يتمتعون عادة إلاّ بجزء ضئيل من هذه الموارد
وتبين الأرقام أن المرأة في تونس تعيش حالة من الهشاشة الاقتصادية. فنجد مثلا أنّ 19.3% فقط من النساء يتمتعن بمواردهن الخاصة، في حين يصل هذا العدد عند الرجال إلى 55.9% كما أن 3% فقط من النساء تمتلك عقارا مقابل 12% لدى الرجال.وعلى الرغم من مساهمة المرأة بنسبة 80% في الإنتاج الغذائي، ورغم أنها تمثّل 70% من اليد العاملة الفلاحيّة، إلا انها لا تشارك في المشاريع الفلاحية الا بنسبة 3%[1].وبذلك فان التقليص في النفقات العمومية يعمّق في أشكال اللامساواة واللاّ تمكين.
وخلصت الدراسة إلى عدة توصيات من أهمها مطالبة الدولة بالاستثمار في القطاع العمومي وتوفير الموارد من اجل خلق مواطن شغل للنساء وإقرار التامين على البطالة والمنحة العائلية العامٌة مع مراعاة النوع الاجتماعي (الجندر) وإعطاء أهمية كبرى لحقوق الإنسان إضافة إلى إدراج أعمال الرعاية في التحاليل السياسية وجٓمع المعلومات التي تقوم بها السلط الوطنية والمؤسسات المالية الدولية
ضرورة تبنّي تدابير ضريبية تدريجية، مثل الضريبة على المداخيل، والضريبة على الثروة وعلى الشركات وطلك من أجل تحقيق عدالة جبائية وتمويل أعمال الرعاية. كما ان السلط مطالبة لضمان انصاف جبائي، بالالتجاء بصفة اقل إلى الضريبة التنازلية غير المباشرة ، مثل الأداء على القيمة المضافة وبقية الاداءات على الاستهلاك.
كما أكد الاعتراف بان خدمات الرعاية بدون اجر والعمل المنزلي من الاعمال المضنية، والتي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار على مستوى الوطني. ويجب لذلك تمويل دراسات ميدانية للبحث في تقسيم الوقت حسب الجنس وذلك لمتابعة العمل المسخّر للشغل. تمكّن هذه الدراسات من تقييم الاثر الحقيقي للسياسات العمومية على الوقت المتاح للعمل للنساء.
وتم الاقرار خلال الملتقى على ضرورة تبنّي تدابير جبائية تدرّجية لتمويل هذه الخدمات في القطاع العمومي من الاساسي والضروري تبنّي سياسه جبائية عادلة ومنصفة، ترتكز على المساهمه التي ينجزها الافراد والمؤسسات، بصفة عامة هذه بعض الامثلة من هذه السياسات:
تبني الاداء على الثروة وعلى الممتلكات
الزيادة في الاداءات على مداخيل الشركات
الزيادة في الاداءات على المواريث
اقرار آداء على مداخيل الافراد بصفة تدريجية مع اقرار نسبة هامشية اكثر ارتفاعا.
الاستثمار اكثر في الموارد البشرية والمادية للإدارات الاداءات، حتى تقع مقاومة التهرّب الضريبي بطريقه ناجعة.
الغاء الثغرات في التشريع الجبائي وذلك بإلغاء الاعفاءات غير المجدية.
ومع هذا، فمن أجل دعم العدالة الجبائية والمسواة يجب على اصحاب القرار السياسي التقليص من مدى الارتهان لبعض الموارد الجبائية وهذا يستدعي التقليل من الضرائب المباشرة، من ذلك الأداء على القيمة المضافة وآداءات أخرى على الاستهلاك.
تحديد قائمة من الموّاد الأساسية، ذات الاهمية الاولى في الاستهلاك من بينها الادوية ومواد التظيف، وذلك لإعفائها من الاداء على القيمة المضافةTVA.
أما الدراسة الثانية وهي قراءة نسوية لقانون المالية لسنة 2023 وقدمها الخبير في المالية العمومية أحمد قيدارة فقد أكدت على واجب دمج مختلف فئات النوع الاجتماعي ضمن السياسات العمومية قصد تكريس المساواة وتكافؤ الفرص بينها يستوجب على الحكومات تبني خطط تساهم في تقليص الفجوة النوعية وإيجاد فرص عمل متكافئة وتوفير الاحتياجات المختلفة لكل فئة في المجتمع. ولأن الميزانية كانت ولا زالت الآلية الوطنية المعنية بترجمة سياسات الدولة ومختلف برامجها وجب عند إعدادها وتنفيذها وتقييمها الحرص على إدماج منظور النوع الاجتماعي ضمنها.
وقد تم التأكيد على ذلك ضمن الفصل 18 من القانون الأساسي عدد 15 لسنة 2019 المؤرخ في 13 فيفري 2019 والمتعلق بالقانون الأساسي للميزانية حيث ورد ما يلي « يعمل رئيس البرنامج على إعداد الميزانية على أساس أهداف ومؤشرات تضمن المساواة وتكافؤ الفرص بين النساء والرجال وبصفة عامة بين كافة فئات المجتمع دون تمييز وتخضع للتقييم على ذلك الأساس ».
كما خلصت هذه القراءة إلى التوصيات التالية وهي عدم اعتبار مسالة النوع قطاعا كبقية القطاعات خاصة مع وجود إشارات في بعض الأجزاء الأخرى من الميزان الى تكافؤ الفرص بين الجنسين.
إن التعامل مع موضوع المساواة بين المرأة والرجل والفتيان والفتيات كان ولايزال قطاعيا لا يمكن من تحقيق المساواة المنشودة ولا يضمن الانخراط الفاعل لمختلف القوى في ترسيخ هذه الثقافة وتحقيق النقلة المرجوة في عديد القطاعات.